صيف 2010 ساخن جدا.. ومواجهة حكومية فاشلة مع الكهرباء

"صيف ساخن جدا ".. هذا ليس اعلان لأحد "بوسترات" السينمائية الجديدة، ولكن رصد لأكثر مواسم الصيف سخونة اليت شهدتها مصر، سواء علي صعيد دراجات الحرارة التي وصلت اقصى معدلتها منذ عدة سنوات أو حتي علي صعيد الازمات الصعبة الذي شهدها هذا الفصل ، والتي فشلت الحكومة في حلها بجدارة متناهية .
" الدنيا حر "
لم يفرق كثيرا مع المصريين تلك الاخبار التي تواترت عن موجه الحر التي تحتاج العالم " الدنيا حر" بعد ان وصلت الى معدلات قياسية مقارنة بباقي الاعوام الماضية.. خاصة وان المصريين لم يتعدوا علي هذا الجو الخانق الذى استمر اغلب ايام الصيف.. وصلت درجات الحرارة في بعض الايام الي ما يقارب 50 درجة مئوية، وهذا ما بينه الدكتور إبراهيم معيزة، أستاذ الطبيعة البحرية بالمعهد القومى لعلوم البحار فرع الإسكندرية، فقال :" الصيف السابق مختلف عن الاعوام السابقة سواء من حيث درجات الحرارة المرتفعة عن المعدلات الطبيعية، او من حيث استمراره لمدة أطول من الأيام الطبيعية مقارنة بصيف الأعوام الماضية".
وأشار معيزة إلى أن هناك ظاهرة طبيعية تتكرر كل 11 عاماً تتسبب في ارتفاع درجات الحرارة نتيجة الي حدوث تفجيرات هيدروجينية تحدث في الشمس كل دورة - 11عاماً - مما يؤثر على كمية الطاقة الصادرة منها والتي تستقبلها الكرة الأرضية.
الامر الذي جعل بعض الخبراء يحذروا من خطورة هذا الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة ، حيث أشارت دراسات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية «IPCC» إلى أن الارتفاع المستمر فى المتوسط العالمى لدرجة الحرارة سوف يؤدى إلى العديد من المشكلات الخطيرة كارتفاع مستوى سطح البحر مهددًا بغرق بعض المناطق فى العالم، وكذلك التأثير على الموارد المائية والإنتاج المحصولى، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض.
رمضان .. شكل تاني
ومن بين الاشياء الذي يمتاز بها صيف 2010 فى مصر عن غيره من الاعوام ، هو حلول شهر رمضان به وهو حدث لا يتكرر الا مرتين على الاكثر في العمر، حيث كانت آخر مرة شهد فيها المصريون رمضان في الصيف منذ عام 1979 أي أكثر من ثلاثين عاماً.
لذلك اصبح لرمضان 2010 مذاق اخر في ظل الارتفاع الغير طبيعي لدرجات الحرارة ، سواء من خلال المعاناة من الصوم المصاحب بالعطش والحر في نفس الوقت ، أو من خلال ازمة الكهرباء التي تحولت الي كابوس ، أو حتي نظام المصايف والسينمات في هذ الشهر الكريم.
فلأول مرة منذ عشرات السنوات يزداد الصيام صعوبة علي الصائم في نهار رمضان نتيجة العطش الشديد الناتج عن شدة الحرارة، مما زاد الحمل علي عاتقه والثواب في نفس الوقت، الامر الذي جعل هيئة دينية إماراتية تُجيز إفطار العمال الذين يقضون ساعات عمل طويلة تحت الحر الشديد والرطوبة العالية فى شهر رمضان، لكنها اشترطت الإباحة عند الضرورة.
من جانبه أعلن الدكتور جودة عبدالغنى بسيونى، عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، تأييده للفتوى و اباح الإفطار للعامل فى الحر الشديد كرخصة ولكن يلزمه القضاء عن الأيام التي أفطر فيها بعد ذلك.
أزمة الكهرباء وانقطاعها المستمر مع الحرارة الشديدة، مسلسل كابوسي عاشه المصريين طوال فترة الصيف، والجميل في الامر وفقا لتعليقات الكثير من شباب "فيس بوك" ان الحكومة كانت عادلة في هذا الامر فلم تفرق في قطع التيار الكهربائي عن الاحياء الفقيرة والغنية، وهو ما جعل سكان الاحياء الفقيرة يرتحون قليلاً لان هناك شىء جمعهم بسكان المناطق الراقية، الطريف في الامر ان اعمدة الانارة في الشوارع كانت تضىء ليلاً وتطفيء نهاراً.. والاكثر طرافة ان وزير الكهرباء اشتكي من قطع التيار عن منزله. وفى قولاً اخر فيلته.
الصيف ورمضان اجتمعا هذا العام، وما عكر صفو المواطنين في اقدم مظاهر احتفالهم بهذا الشهر الكريم وهي تعليق الفوانيس والزينة المضيئة بشوارع تعبيرا عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان ، حيث قرر المحافظ المهندس سيد عبدالعزيز، محافظ الجيزة،منع استخدام الأحبال الكهربائية فى الإضاءة بشوارع المحافظة نهائياً خلال شهر رمضان، للسيطرة على معدلات الاستهلاك الكبيرة فى الكهرباء.
هذا علاوة علي الانقطاع المستمر للكهرباء علي طول شهر رمضان ، ولساعات طويلة مما دفع كثيراً من المواطنين إلى الإفطار خارج منازلهم واستخدم بعضهم الشموع، والبقاء لفترات زمنية طويلة خارج المنازل لتفادى ارتفاع درجات الحرارة.بينما تناول ضيوف موائد الرحمن طعام الإفطار فى الظلام، وإزاء انقطاع التيار عن بعض المساجد اضطر أئمة المساجد فى عدد من المناطق إلى تأجيل إقامة صلاة العشاء والتراويح لعدم استطاعتهم استخدام الميكروفونات.
كما شهد رمضان 2010 ، نظرا لقدومه في الصيف الشديد الحرارة تعارضه مع موسم المصايف ، والذي تتعارض مع طبيعة الشهر الكريم وتقاليده المتعارف عليها ، مما جعل المستثمرون الأذكياء الي ابتكار مجموعة من الحيل الجديدة لتمكنهم من تجاوز فترة شهر رمضان لتمكين المصيفين من ممارسة السباحة رغم "الصيام".
وذلك عن طريق تجهيز الشواطئ لتصبح آمنه للسباحة بعد المغرب، وذلك من خلال نشر كشافات إضاءة قوية على الشواطئ، بالإضافة إلى تزويدها بفرق إنقاذ، مما سيشجع "المصيفين" على السباحة بعد "الفطار"، كذلك المنتجعات والفنادق التى تمتلك مجموعة من «حمامات السباحة»، ستعمل خلال الفترة المسائية لتمكين المصيفين من السباحة.
وتلك الفكرة لا تقتصر على الأماكن الفارهة فقط وقرى الساحل الشمالى، لكنها انتقلت أيضا إلى شواطئ الإسكندرية مثل "البوريفاج"و"أبوهيف" وغيرهما التى ستعتمد على النشاط الليلى حتى لا تصاب بالركود.
أما السينمات التى يعد موسم الصيف أحد الفترات الرئيسية لرواج أفلامها، فقامت بتعديل مواعيدها لتخصص 3 حفلات عرض بعد الإفطار، بالإضافة إلى حفلة صباحية يوميا، إلى جانب التركيز على عرض الأفلام الكوميدية "غير الخادشة للحياء" مع تجنب عرض الأفلام الأجنبية.
الحر يحصد الارواح
لم تقتصر الاضرار الذي خلفه هذا الصيف الساخن ، علي صعيد المعناة من جانب المواطنين ، او الخسائر المادية التي عادت علي الشركات والمصانع ، بل وصل الامر الي حصاده لأرواح المواطنين ، نتيجة تعرضهم لضربات شمس من جراء الحرارة الشديدة.
حيث توفى مراقب لجنة بامتحانات الثانوية العامة بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج داخل استراحة المراقبين بالمدينة، إثر إصابته بحالة إعياء شديدة بسبب شدة الحر ، بشكل جعل بعض المواطنين تحميل المسئولية لوزارة التربية والتعليم ، نتيجة عدم توفير الحماية والوقاية اللازمة للمراقبين لحمايتهم من الحر الشديد .
كما تسبب الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة فى وفاة شخصين بعد تعرضهما للإصابة بضربات الشمس، بينما أصيب 30 آخرون، تم احتجاز 20 منهم فى مستشفى حميات أسوان، لتلقى العلاج اللازم ، مما جعل العديد من أهالى الواحات اللجوء إلى الصحراء، وقت المساء، هرباً من الارتفاع الشديد فى درجة الحرارة التى تجاوزت بكثير مثيلاتها فى الأعوام الماضية.
الصيف وأزمة الكهرباء
أما من أسوء الأزمات التي شهدها هذا الصيف ، هي أزمة الكهرباء - والتي تحولت الي كابوس للمواطن المصري- ،حيث أصيب المواطنين ، بأستياء شديد بسبب الانقطاع المستمر والمنتظمً فى الكهرباء، ابتداءً من الساعة 6 مساءً وحتى منتصف الليل تقريبًا، الأمر الذى جعل الشوارع أشبه بمدينة الأشباح.
الامر الذي جعل الرئيس مبارك يتساءل خلال افتتاح متحف الفن الإسلامي بمنطقة باب الخلق مخاطبا وزير الكهرباء عن سبب انقطاع الكهرباء ، قائلا : عاوز أعرف ليه التيار الكهربائي يقطع، خصوصا إننا عندنا إنتاج كبير من الكهرباء؟".
حجج وزارية
ومن جانبه قال الدكتور حسن يونس " وزير الكهرباء والطاقة " : أن السبب الرئيسي وراء هذةالانقطعات المستمرة للكهرباء هو من أجل تخفيف الاحمال الزائدة علي الشبكة.
وأضاف يونس: "الاستهلاك يزيد بشكل مخيف، وهذا يعدّ كارثة، لذا يجب على المواطن أن يساهم في حل الأزمة من خلال ترشيد الاستهلاك، خاصة في أوقات الذروة أي لمدة ساعتين فقط، والامتناع عن تشغيل الأجهزة ذات الاستهلاك العالي في ذات الوقت".
وأوضح الوزير أن مركز التحكم القومي سجّل أحمالاً كهربائية وصلت إلى 22700 ميجاوات، وهذه الأحمال تعدّ أكبر الأحمال التي سُجّلت حتى الآن، حيث سجّل أكبر حمل 20090 ميجاوات عام 2009.
وأشار الوزير إلى وجود قفزة في الاستهلاك عن العام الماضي بحوالي 2600 ميجاوات، وبنسبة تقدر بـ13.5?، وهي تعادل قدرات توليد لمحطات تبلغ استثماراتها حوالي 20مليار جنيه.
وذكر الوزير أن تلك الزيادة لتغطية ساعات الذروة فقط، التي تتمثل من ساعتين إلى ثلاث ساعات، وتبدأ مع غروب الشمس.
و رجح يونس أن العامل الاساسي في هذة الأزمة هي الاستخدام الزائد للتكيفات لمواجه مواجة الحر ، حيث قال "إن أجهزة التكييف في مصر تستهلك حالياً حسب آخر إحصاء نحو 12? من الحمل الأقصى للبلاد"، مشيراً إلى أن عدد الأجهزة المستخدمة قفز من 700 ألف جهاز عام 2006 إلى نحو 3 ملايين جهاز حالياً.
غضب جماهيري
الا أن تصرحات يونس لم تجد طريقها لتهدئة المواطنين ، حيث طالب عدد من سكان منطقة المرج ومنطقة مصر القديمة الوزير حسن يونس بتقديم استقالته لعدم القدرة على احتواء أزمة انقطاع الكهرباء، مترحمين على أيام ماهر أباظة، وزير الكهرباء السابق، الذى أكدوا أن فتره توليه الوزارة لم تشهد أى انقطاعات للكهرباء.
كما نظمت عدد من الحركات السياسية وقفة بالشموع احتجاجاً على الأنقطاع المستمر للتيار الكهربائى بلا توقيت محدد فى كافة محافظات مصر .
الغاز وازمة الكهرباء
ومع تزايد الدعوات إلى الاحتجاج على عجز الحكومة عن حل المشكلة، ألقت وزارة الكهرباء على وزارة البترول بالمسؤولية عن الأزمة بسبب عدم توفير كميات كافية من الغاز الطبيعي، في حين ربطت بعض وسائل الإعلام المصرية بين الأزمة الراهنة, وتصدير كميات كبيرة من الغاز لإسرائيل على حساب الطلب المحلي. حيث طالب ، أنور عصمت السادات، وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية، الرئيس مبارك، بوقف تصدير الغاز لإسرائيل،من أجل حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر في كافة أنحاء مصر.
ونفى سامح فهمى " وزير البترول " وجود أزمات فى الغاز المصرى أو أن يكون تصديره لإسرائيل السبب فى أزمة انقطاع التيار الكهربائى، مؤكدا أن حجم التصدير لإسرائيل لا يتعدى 3% من حجم الإنتاج، كما أن إنتاج الغاز مخطط ويصعب تخزينه ولذلك يتم الإنتاج حسب الخطط الموضوعة للاستهلاك، مشيرا إلى أن 80% منه يوجد داخل المياه العميقة بالبحر المتوسط.
وفي ضوء خطة التعاون بين وزارة الكهرباء و وزارة البترول لجل ازمة الكهرباء ،أوضح الدكتور حسن يونس أن الوزارة قامت بإجراء تجارب ناجحة لاستخدام إضافات خاصة للمازوت المصري حتى يتوافق مع متطلبات تشغيل محطات توليد الكهرباء ويقوم قطاع البترول بتوفير هذه المادة.
خسائر بالملايين
أما عن الخسائر التي سببتها هذة الازمة ، فقد تسبب انقطاع الكهرباء ،فى خسائر كبيرة للقطاع السياحى بالغردقة وسفاجا ومنتجع مكاوى وسهل حشيش، بعد تلف كميات كبيرة من الأغذية والخضروات واللحوم المجمدة والمخزنة بثلاجات الفنادق والقرى السياحية.
ويبقي السؤال مطروحا هل سيشهد الصيف القادم حل فوري وقوي لهذة الازمة أم أن الوضع سيكون أكثر سواء؟ . سؤال يحتاج الي اجابة...